جواز تغيير اسم العائلة
السؤال:
اعمل محامياً نظامياً، طلب مني أحد الأشخاص توكيلي في معاملة لتغيير اسم عائلته بسبب كثرة مشاكل هذه العائلة وسمعتها السيئة وحتى لا يطالب بأي دية أو دم قد يقترفه بعض أفراد هذه العائلة، فهل يجوز لي شرعا أن أسير له فيما طلب؟ ومثله سيري معاملة تغيير اسم عائلة الزوجة إلى عائلة زوجها؟
الجواب:
لا حرمة في سيرك في هذه القضية، ومثله جواز تغيير اسم الزوجة باسم عائلة زوجها؛ لأن تغيير اسم العائلة يبقي اسمه واسم والده وجده دون تغيير فلا تغيير في نسبه، فاسم العائلة ليس أمراً مقدساً شرعاً، وإنما هو علامة جامعة لفئة من الناس وعلم عليهم لا يضر تغييره، خاصة أن هذا التغيير لا يؤثر على أي حق أو واجب شرعي، فاسمه واسم أبيه وجده والشهود على نسبته لهذه العائلة والأوراق الرسمية المثبتة لذلك كلها دلائل على نسبه.
وجواز تغيير الاسم لما هو أفضل للمسمى ثابت في السنة الصحيحة ففي صحيح مسلم «عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اسم عاصية وقال: «أنت جميلة» قال»، «وسمع النبي صلى الله عليه وسلم يُسَمُّونَ رَجُلًا مِنْهُمْ عَبْدَ الْحَجَرِ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا اسْمُكَ؟) قَالَ: عبد الحجر» قَالَ: (لَا أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ).
كما أن العبرة بالذات لا بالاسم الدال عليها خاصة إن أمن اللبس والاشتباه، فالاسم علامة دالة على الذات، فإن أمن لبس الأصل فيتساهل في تغيير الفرع وهو العلامة.
ويشترط لجواز تغيير اسم العائلة شروطاً هي:
الشرط الأول: أن لا ينتسب إلى معين بالذات من غير آبائه إذا أطلق الاسم الجديد حمل انتسابه إلى هذا المعين المعروف، فلا يجوز شرعا أن يغير اسم أحد من آبائه وأجداده، فيجب أن يُدعى لآبائه ولا يغير اسم والده الدال على أصله ودمه؛ لقوله تعالى (ٱدعُوهُم لِأٓبَآئِهِم هُوَ أَقسَطُ عِندَ ٱللَّهِ) [الأحزاب: 5] فحصر انتسابهم بآبائهم، والأب يطلق على الأصل من الأب والجد وجد الجد وإن علا (مِّلَّةَ أَبِيكُم إِبرَٰهِيمَ) [الحج: 87] فسمى إبراهيم أبا لنا مع تباعد الزمان بيننا وبينه، وليس اسم العائلة غالبا من الآباء، فبحسب مفهوم المخالفة لا يمنع نسبتهم لغير هذا الاسم الجامع الذي هو اسم العائلة، ولقوله صلى الله عليه وسلم «إن من أعظم الفرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه».
فإن كان اسم العائلة اسماً لأحد الأجداد فيجوز حذفه بتغييبه من الاسم إخفاء لنسبته لا نفياً لها، كما يمكن جعل اسم الجد الأقرب اسما جديدا للعائلة، أي ما يسمى الفخذ أو البطن من العائلة الكبيرة، فاسمي مثلا أيمن عبد الحميد عبد المجيد بدران البدارين، فيمكن أن أحذف اسم البدارين ويصبح اسم عائلتي اسم جدي الأقرب بدران، فيصبح اسمي أيمن بدران بدلا من أيمن البدارين.
ويمكن تغييره إلى لقب أو صفة أو مهنة أو غيرها من الأوصاف التي لا تغير الاسم وإنما تخفيه خلف الوصف كأن كان اسم عائلته -مثلا- “بدران” -اسم شخص- فيجعله “الخطيب” من مهنة الخطابة، أو “السالم” من صفة السلامة، أو “العالِم” المشتق من العِلم فلا إشكال في ذلك، فأسماء العائلات نوعان: مشتقة من صفة أو غيرها يشترك فيها الكثيرون كالكريم والقاسم والعالي، وهذه لا مانع لتغيير اسم العائلة إليها؛ لأنها أسماء مشتركة لا يقتصر إطلاقها على معين بالذات فلا يكون في التغيير إليها انتسابا لغير والده. والنوع الآخر أسماء جامدة كإبراهيم وموسى فهذه الأسماء الجامدة -ومثلها المشتقة- يمكن التغيير إليها بشرط أن لا يطلق هذا الاسم الجديد على عائلة واحد مميزة في بلد معين لا يوجد غيرها فيه لحمل نسبته إليهم؛ لأن فيه معنى الانتساب لغير الأب، فلا بد أن تكون النسبة إلى اسم مشترك لا معين بالذات فيمكن أن يجعل اسم عائلته موسى إن لم يقتصر هذا الاسم على عائلة معينة في بلده بأن تسمى به عدة عائلات أو لم تتسم به أي عائلة.
الشرط الثاني: أن لا يترتب على تغيير اسم العائلة أثر شرعي أو قانوني مختص باسم العائلة الجديد، فيجب أن لا يؤثر هذا التغيير على الحقوق والواجبات والأحكام الشرعية والقانونية كميراثه، وإلزامه بدفع دية القتل الخطأ مع العائلة الجديدة، ونسبه مع التنبه إلى أن النسب حكم شرعي لا يتغير بتغيير اسمٍ في البطاقة الشخصية.
ويفضل أن يكون تغيير اسم العائلة لاسم عائلة ليس له مثيل في العائلات الموجودة بأن يخترع اسما جديدا على غير مثال سابق، أو اسم قد اندرس استعماله ولم يعد لأفراد هذه العائلة وجود…
الشرط الثالث: أن يبقى اسم العائلة معروفا مثبتاً في السجلات الرسمية وموثقا كمرجيعة عند الاختلاف، وهذا معروف اليوم في القوانين المدنية المعاصرة أن هذا الاسم وإن تغير لكن الدولة تبقي أوراق تغيير الاسم وتحتفظ به في سجلاتها، فيمكن الرجوع إليه في أي وقت لإثبات نسبة هذا الشخص إلى هذه القبيلة أو تلك، فاسمه يتغير في الهوية وفي المعاملات الرسمية، أما في سجلات الدولة فتبقى ثمة إشارة على اسمه أنه تغير من كذا إلى كذا، فهذا التغيير لا يؤثر على أي حق أو واجب قانوني، والله تعالى أعلم.
وأنبه على أمر في غاية الأهمية وهو أقوى ما أَسْتَدِلُّ به على جواز تغيير اسم العائلة وهو أن ما غيره النبي صلى الله عليه من أسماء فإن هذه الأسماء التي تغيرت ستصبح -في كثير من الأحيان- أسماء عائلات لنسله من بعده، فقد جرت العادة أن يشتهر اسم أحد الجدود فيصبح علماً واسماً فارقاً مميزاً لنسله من بعده من أولاده وأحفاده فيصبح اسمه اسماً لعائلة، وقد غيره النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على جواز تغيير اسم العائلة استدلالا بفعله عليه الصلاة والسلام.
فعن عبد الحميد بن جبير بن شيبة، قال: جلست إلى سعيد بن المسيب، فحدثني: أن جده حزنا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما اسمك» قال: اسمي حزن، قال: «بل أنت سهل» قال: ما أنا بمغير اسما سمانيه أبي. قال ابن المسيب: «فما زالت فينا الحزونة بعد»([4])، وجه الدلالة أن النبي لو غيره لأصبح اسم سهل علماً على عائلة سعيد ولاشتهروا به عادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو من سماه به، وكفاه بذلك فخراً وشرفاً، والناس تنتسب للاسم الشريف عادة، ولا أشرف من اسم سماه به المصطفى عليه السلام، وهذا أصل صحيح سالم من المعارضة في الاستدلال لتغيير اسم العائلة، ولم أر من استدل بهذا قبلي.
وإن كنا نجيز تغيير اسم العائلة ولا نرى تحريمه، لكن الجواز اسم جامع مشترك بين الإباحة والندب والكراهة في عدم حرمة الترك أو الفعل، ونفتي هنا بالكراهة إن كان تغيير الاسم دون حاجة أو دون مراعاة لمصلحة ظاهرة، وسبب الكراهة مراعاة لخلاف من حرمه من العلماء المعاصرين، والله تعالى أعلم، وهو من وراء القصد.
مصدر الفتوى
من كتاب: (فتاوى معاصرة)، مؤلف الكتاب: للدكتور أيمن عبد الحميد البدارين،
دار النشر: دار الرازي للنشر والتوزيع، مكان النشر: عمان، الأردن، رقم الطبعة:
الطبعة الأولى، سنة الطبع: 1434هـ-2013م، رقم الصفحة (106-107).
اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.